العلوم، والتكنولوجيا والمجتمع
التقدّم التكنولوجيّ والتطويرات العلمية تغيّر عالمنا بطرق كنّا نعتبرها خيالية قبل وقت قصير. تتمحور موضوعة "العلوم، والتكنولوجيا والمجتمع" في تذويب الحدود بين ما هو مصطنع وما هو طبيعيّ، وتراجع تَشكّل حضارة بشرية جديدة تتّسع حدودَها لتحتوي كيانات غير إنسانية كالروبوتات، والحيوانات، وغيرها. هذا الإطار يطرح عملية اجتراح مفاهيميّة جديدة للأخلاق، والثيولوجيا، والجسد، والسياسة.
نحن نعيش في عصر تتغير فيه أفكارنا وتوجهاتنا حيال الطبيعة، فبينما وقفت الطبيعة في الماضي في مواجهة المصقول والمربّى والمهذّب، وقبالة البيتيّ والاجتماعي، فها هو التناقض بين ما هو طبيعي وغير طبيعي آخذ بالزوال في أيامنا هذه، لا سيما على ضوء تقدّم العلوم والتطورات التكنولوجيّة. الأغراض الرقمية (الديغيتالية) الذكيّة، وتكنولوجيّات التكاثر الحديثة، والبيئات والكيانات المتخيّلة، والحلول الروبوتيّة في كوكبة من المجالات، ومسح الجينوم البشري-كلّ هذه غيض من فيض القوى المغيّرة للواقع التي يحوزها العلم في هذه الأيام. البصمات البشرية بادية في كل مستويات “الطبيعي”، لذا فإنّ المفهوم بحد ذاته ما انفك يفقد من معناه. تأثير البشرية على الطبيعة دراماتيكيّ لدرجة دفعت البعض نحو الاعتقاد بأنّنا نعيش في عصر جيولوجي جديد هو عصر الانسان – الانثروبوسين-عصرٌ علامته الفارقة هي البصمة الدراماتيكية للنشاط البشريّ على كوكب الأرض.
تفحص موضوعة العلوم، والتكنولوجيا والمجتمع التغييرات التي يدخلها الأنثروبوسين على ثقافتنا. فرضيتنا الأساسية هي أنّ الأنثروبوسين يتعلّق ليس فقط بالتغير المُناخيّ، بل يتعلق أيضا بتغيّر جوهري وبتوسيع رقعة كلّ ما نفهم بأنه “مجتمع”. علوم الدماغ تعرض علينا فهمًا جديدًا للمشاعر، وحتى للتّصورات الأخلاقيّة؛ المعلومات الجينية تضع تحدّيات أمام مفاهيم صلة الأرحام ومفهوم الأنا؛ البيئات المتخيّلة تخلط بين الواقع وبين خلق الواقع؛ وها هي ثورة الاتصالات الرقمية تضخّ إلينا معلومات دون انقطاع؛ وأصبح جزء كبير من التفاعل فيما بيننا يتحقق بواسطة الأغراض، من خلال النهش المتواصل للعلاقات البشريّة المباشرة؛ والبيئة البيتية والحضرية التي نعيشها تنبني بواسطة التتبّع، والتحليل، والاتصال بين أغراض اعتُبرت يومًا ما مجرّد جماد.
علاقاتنا الاجتماعية في عصر الأنثروبوسين تدار مقابل الروبوتات، والأجهزة الذكيّة، والبيئة التفاعلية. في المقابل، أصبح تفكيرنا السياسيّ حساسا لكائنات غير بشريّة نحو الحيوانات والنباتات، وها نحن نطوّر أخلاقيات جديدة بكلّ ما يتعلق بإدارة الحياة اليوميّة في واقع استهلاكيّ ما بعد حداثيّ. نحن نحجم عن القيام بنشاطات ترتبط بالكربون، كالطيران وحتى الإرساليات، ونفهم مسؤوليتنا تصرّفاتنا على الأجيال القادمة التي لن نلتقي بها أبدًا، وأصبحنا نعتبر البيئة عاملًا مهًما في التسويات السياسيّة. كل هذه تنمّي على نحو متقطع أخلاقيّات جديدة للحياة البشرية.
من هنا تسعى الموضوعة إلى فهم الأبعاد الإجتماعية للأنثروبوسين. هل بدأت الطبيعة بفقدان جزء من جوهرها، وما هي نظرتنا إلى جسم الإنسان؟ وللطب؟ ولوعينا؟ وللآخر غير البشري؟ تتناول الموضوعة كذلك نقد البيولوجيا الأخلاقية تطورها بغرض فهم كيف تعامل الناس قبل جيل أو جيلين مع مجموعة الأمور غير اليقينية في القضايا التكنولوجية والعلمية بكل ما يتعلق بأسئلة طبيعية نحو الولادة والموت والهوية وغير ذلك.