من الموافقة الجنسية إلى الحميمية
راحيل ليفي هيرتس | 02.02.2022 | تصوير: Unsplash
أفكار حول التربية لجنسانية بنّاءة
في العام 2017 صدر فيديو كليب للمغنيّة البريطانية من أصول ألبانيّة دوا (دعاء) ليبا "قوانين جديدة" (New-Rules)، وفيه تعرض المغنية مع مجموعة من الشابات رقصةً مشتركة وحميمة. القوانين الجديدة التي تغنّي دوا ليبا حولها تصف علاقات قويّة بين نساء شابات، علاقات تساعدهنّ على صد رجال متغزلين قد يشكّلون مصدرا للأذى. في أحد أبيات الاغنية تغني ليبا: "إذا كنتِ تحته فلن تتغلّبي عليه"، معلنة بذلك أنّ هياكل القوة واضحة ومألوفة بالنسبة للشابات الصغيرات. الرغبة في التغلب على الرجل المتغزل أو المعتدي يشير إلى الرغبة في قلب محاور القوة، وبالتالي تغيير توزيعة الوظائف الجندرية بكل ما يتغلق بالمغازلة والجنسانية.
عند مشاهدة الفيديو كليب يطرح السؤال التالي: هل تعرض ليبا (كغيرها من التمثيلات الثقافية للتّمكين النسوي) قوانين جديدة للنساء الشابات في سبيل تحقيق حريّتهن الجنسية؟ أظهرت نتائج بحث يفحص تجسدات لجنسانية االشابات بما يتعلق بممارسات اجتماعية للمغازلة، (وهو بحث أجريتُه كجزء من أطروحة دكتوراه بإشراف د. ميري روزمارين)، أظهرت نتائج هذا البحث أن هذه القوانين الجديدة تبقى في الكثير من المرات متخيّلة، وأن الشابات الصغيرات يواصلن التعامل مع أذيّة مضاعفة خلال نشاطهن الجنسي.
الاحكام الاجتماعيّة على جنسانيّة الفتيات
تجسدات كهذه للقوة النسائية (Girl Power) تعكس خطابات ثقافية وتربوية مختلفة تصوغ جنسانية الفتيات واالشابات، وتوفر تمثيلات لقيادة نسوية وتمكين. على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من هذه الصور، يبقى جسد الشابات يشكل موضوعة لممارسات ثقافية واجتماعية كثيرة، وما زلن مطالبات بتبني سلوك جنسي يلائم تقييمًا اجتماعيا منضبطا يرتكز على المسؤولية الشخصية، وعلى توقعات ثقافية واضحة. مثال على ذلك هو حملة "حافظي على كسّك" – حملة Timeout إسرائيل التي أطلقت في العام 2014 عشية احتفالات نهاية السنة الميلادية، بهدف إثارة وعي الشابات لمخاطر مخدّر الاغتصاب في الحفلات. واجهت هذه الحملة الكثير من الانتقادات لكونها تشدد على المسؤولية الشخصية وقد تفضي إلى اتهام الضحية في حال لم تنجح في المحافظة على نفسها.
في الكثير من المرات تشمل هذه الأحكام الاجتماعية ذمّ وتقريع الشابات اللواتي يخترن أن يكنّ نشيطات من الناحية الجنسية (Slut-Shaming)، وبينما تتشكل إمكانيات متنوعة اكثر لتمظهرات رجولية (رجولية جديدة تنهض بالمراعاة والحساسية، والمساواة والتعاطف)، ما زال يتوقع من الرجال والشّبان أن يكونوا المبادرين، وأن يقودوا التفاعلات والعلاقات الجنسية على نحو شبه حصري. في المقابل تواصل الكثير من الممارسات الثقافية والاجتماعية بناء النزعة العنيفة والعدائية بالنسبة للسلوك الجنسي المتوقع من الفتية والرجال الصغار. هذه الفروق الكثيرة في التوقعات الاجتماعية تُنشئ صعوبة في ترسيخ لغة مشتركة للحميمية بين الشبان والشابات. لذا ثمة أهمية لأن نفهم هذه التغييرات بكل ما يتعلق بمسارات تربوية تسعى للنهوض بجسنانية بنّاءة.
مسيرة الشرموطات، تل أبيب 2017 تصوير Avidavid
الصراع بين الخطابات التي تروّج للاختيار والتمكين الجنسي، وبين التوقعات والإنشاءات الاجتماعيّة التي تحافظ على عدم المساواة الجندرية، هذا الصراع مهم ومركزي من أجل فهم تصوّرات تصوغ التربية الجنسانية البناءة. هذا التقطب الثنائي يطرح سؤالا حول كيفية اندماج هياكل قوّة مختلفة (أو نقيضها) مع خطاب التمكين الجنسيّ وخطاب الموافقة الجنسية. الخطاب القانونيّ المتعلق بالموافقة الجنسية يشكل أحد مجالات الخطاب الرئيسية التي تصوغ اليوم التربية للجنسانيّة البناءة. أفضت الثورات التشريعيّة إلى تغيّر في المفاهيم الثقافية وتطوير بيداغوجيات تضع مفهوم الموافقة الجنسية واالظروف التي تؤثر عليها في المركز. وبدون الانتقاص من هذا الخطاب، فمن الأهميّة بمكان أن نفحص هل يكفي أن نكتفي بالموافقة الجنسية كي نبني علاقات معافاة بين الشبان والشابات؟ وبأي نحو تبني أنواع الخطاب التصارعيّة المختلفة جنسانية الشبان والشابات في أيامنا هذه؟
ما بعد الموافقة
يلاحَظ من نتائج البحث ان الموافقة الجنسية تحصل على مدلولات اجتماعية-ثقافية مختلفة يجدر التطرق إليها، إذ تتحرك الفتيات في فضاءات اجتماعية يتعاظم فيها تضرّرهن الجنسي والاجتماعي، وفي أحيان قريبة تقوض هذه الفضاءات إحساسهن بالاستقلالية والسيطرة على زمام الأمور عندما يعبّرن عن جنسانيتهن. ثانيا، ما زالت الشابات مطالبات بتكرار قول "لا" في فضاءات اجتماعيّة مختلفة كي يوضّحن عدم موافقتهن للفعل الجنسي. التفسير الضبابيّ بالنسبة لـ"لا" التي تتفوه بها نساء شابات يعبر عنه أيضا في توقعات اجتماعية ممن يخترن ممارسة النشاط الجنسي، ويتوقع منهن أن يطلبن التفاعلات الجنسية على الدوام لمجرد انهن عبّرن عن رغباتهن الجنسية في الحيز الاجتماعي العلني.
التوقعات الاجتماعية وتطبيع حالات العنف ينتجان وهمًا بالحريّة الجنسية التامة، ما يعني فعليًا أن الفتيات والنساء الشابات يحتجن للتعامل على نحو ثابت مع الأذى الذي يلحق بهن. الموافقة الجنسية تشكّل إذا طريقة منظّمة للدخول في العلاقات والأشكال المختلفة التي تعمل فيها قوى اجتماعية وثقافية، لذا حري بنا أن نتعامل معها كمسار تحوّلي وغير مستقر. حتى عندما توافق النساء الصغيرات على الدخول إلى الحيز الاجتماعي-الثقافي فإنهنّ يحتجن إلى تحليل ومعالجة المشاعر والتجارب والممارسات الاجتماعية وتصورات الأنا المختلفة. هذا المسار ديناميكي ومتغير، وقد يفضي إلى ان تصبح الموافقة الممنوحة أمرا منتهيَ الصلاحيّة. هذه الحراكية تجسد ضرورة فحص الكيفية التي يمكن فيها ملاءمة أنواع خطابات تربوية في سن الطفولة والمراهقة للتعقيدات الكثيرة التي تتولد بالنسبة لهذه القضايا، وكيف يمكن خلق لغة تمكّن من ممارسة علاقات ترتكز على الاحترام والتبادلية والمساواة والحميمية.
في إطار مجموعة البحث "صندوق العدّة للذاتيّة السياسيّة النسويّة" في معهد فان لير، تقوم باحثات من حقول معرفية مختلفة بفحص مشترك لتعاملهنّ مع فتيات ونساء يُطلَبُ منهنّ الاهتداء بين أنوع الخطاب التصارعيّة. كجزء من نشاط مجموعة البحث أقيمت ندوة فحصت أسئلة من هذا النوع بالنسبة لقضايا في الحقل التربوي الرسميّ واللا منهجي، وجاءت بعنوان "ما بعد البنطلون القصير: حقيبة نسوية للسنة الدراسية"، وعُقدت عشية افتتاح السنة الدراسية وعُرضت فيها نتائج البحث حول مدلولوات الموافقة الجنسيّة، وبالنسبة لما تسميها الشابات الصغيرات بـ"أزمة الحميمية"، التي تتجسد في إحساس غياب الفضاءات التي توفر الحماية والأمن، وتواصل حميمي، وتعاطف وتبادلية بين الشبان والشابات.
توسيع الخطاب التربوي ليتجاوز الموافقة الجنسية على نحو يرتكز على نتائج بحثية من هذا القبيل، قد يقترح التركيز عل تطوير قدرات تواصل حميمة تمكّن الشبان والشابات من التعامل بعضهم مع بعض بتعاطف، والسعي إلى بناء تفاعلات جنسية ترتكز على التبادلية والاحترام
يوصى بقراءة المقال الفقر، والأمومة والمشاعر.
كتابة: راحيل ليفي هيرتس، برنامج دراسات الجندر، جامعة بار إيلان
مركّزة مجموعة البحث "صندوق العدة للذاتية السياسية النسوية"، معهد فان لير
تصوير: Hannah Busing