الأنثروﭘوسين – عصر الإنسان
د. حـﭼاي بوعاز | 20.08.2020 | تصوير: Unsplash
نحن نعيش في عصر تتغيّر فيه أفكارنا وتوجُّهاتنا حيال الطبيعة؛ فبينما وقفت الطبيعة في الماضي في مواجهة المصقول والمربّى والمهذَّب، وقبالة البيتيّ والاجتماعيّ، ها هو التناقض بين ما هو طبيعيّ وغير طبيعيّ آخِذٌ في الزوال في أيّامنا هذه، ولا سيّما على ضوء تقدُّم العلوم والتطوُّرات التكنولوجيّة. الأغراض الرقْميّة (الديـﭼيتاليّة) الذكيّة، وتكنولوجيّات التكاثر الحديثة، والبيئات والكيانات المتخيّلة، والحلول الروبوتيّة في مجموعة من المجالات، ومسح الجينوم البشريّ، كلّ هذه غيض من فيض القوى المغيِّرة للواقع التي يحوزها العلم في هذه الأيّام. البصمات البشريّة بادية في كلّ مستويات "الطبيعيّ"، لذا فإنّ المفهوم في حدّ ذاته ما انفكّ يفقد من معناه. تأثير البشريّة على الطبيعة دراماتيكيّ إلى درجة دفعت البعض إلى الاعتقاد بأنّنا نعيش في عصر جيولوجيّ جديد هو عصر الإنسان - الأنثروﭘوسين - وهو عصرٌ علامته الفارقة هي البصمة الدراماتيكيّة للنشاط البشريّ على كوكب الأرض.
يسعى معهد ڤان لير إلى فحص التغييرات التي يُدخِلها الأنثروﭘوسين على ثقافتنا. فرضيّتنا الأساسيّة هي أنّ الأنثروﭘوسين لا يتعلّق بالتغيُّر الـمُناخيّ فحسب، بل يتعلّق كذلك بتغيُّر جوهريّ وبتوسيع رقعة كلّ ما نفهمه على أنّه "حضارة". علوم الدماغ تَعرض علينا فهمًا جديدًا للمشاعر، بل حتّى للتصوّرات الأخلاقيّة؛ المعلومات الجينيّة تضع تحدّيات أمام مفاهيم صلة الأرحام ومفهوم الأنا؛ البيئات المتخيَّلة تخلط بين الواقع وخلق الواقع؛ وها هي ثورة الاتّصالات الرقْميّة تضخّ إلينا معلومات دون انقطاع؛ وأصبح جزء كبير من التفاعل في ما بيننا يتحقّق بواسطة الأغراض، من خلال النهش المتواصل للعلاقات البشريّة المباشرة؛ والبيئة البيتيّة والحضريّة التي نعيشها تنبني بواسطة التتبُّع، والتحليل، والاتّصال بين أغراض اعتُبرت يومًا ما مجرّد جماد.
علاقاتنا الاجتماعيّة في عصر الأنثروﭘوسين تدار مقابل الروبوتات، والأجهزة الذكيّة، والبيئة التفاعليّة. في المقابل، أصبح تفكيرنا السياسيّ حسّاسًا لكائنات غير بشريّة (نحو: الحيوانات والنباتات)، وها نحن نطوّر أخلاقيّات جديدة في كلّ ما يتعلّق بإدارة الحياة اليوميّة في واقع استهلاكيّ ما بعد حداثيّ. نحن نُحْجِم عن القيام بنشاطات ترتبط بالكربون، كالطيران وحتّى الإرساليّات، ونفهم مسؤوليّة تصرّفاتنا على الأجيال القادمة التي لن نلتقي بها أبدًا، وأصبحنا نَعتبر البيئة عاملًا مهمًّا في التسويات السياسيّة. كلّ هذه تنمّي على نحوٍ متقطّع أخلاقيّات جديدة للحياة البشريّة.
تسعى موضوعة العلوم والتكنولوجيا والحضارة في معهد ڤان لير للتعاطي مع أسئلة مختلفة تتعلّق بعصر الأنثروﭘوسين، نحو: موقع الإنسان مقابل الطبيعة، وأسئلة الخليقة، والانقراض، والحفظ، والمصير، والمسؤوليّة، والخطيئة والعقاب؛ والمكانة الأخلاقيّة لـِ "ما قبل الأَجِنّة الفائضة" في عيادات الإخصاب المختبريّ؛ والتحدّيات الأخلاقيّة والقانونيّة التي تقع في قاعدة إقامة بنوك معلومات جينيّة قوميّة؛ وغير ذلك.