التطبيع مع السودان ومن سيدفع الثمن؟
د. شاني بار طوڤيا | 30.08.2020 | تصوير: Unsplash
بعد أيام من الإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والأمارات العربية المتحدة، صرّح الناطق بلسان وزارة الخارجيّة السودانية أنّ بلاده تجري محادثات مع إسرائيل بغرض تطبيع العلاقات بين البلدين. بعد هذا الإعلان مباشرة أقيل الناطق من منصبه، ويبدو أنّ هذه الخطوة تشير إلى أنّ الموضوع الإسرائيليّ معقّد من وجهة نظر السودانيين. في مقالها الذي نشرته في إطار مشروع أفق في شباط الفائت على خلفية لقاء رئيس الوزراء نتنياهو مع رئيس المجلس السيادي السوداني، تطرّقت عِنبال بن يهودا إلى هذا التعقيد، لكن يبدو أن تطبيع العلاقات بين السوادان وإسرائيل في السنوات القادمة أمر محتمل للغاية. لكن ما الذي تعنيه خطوة كهذه للاجئين السودانيين الذين يمكثون في إسرائيل؟
الأنباء في الإعلام الإسرائيلي التي تناولت في الأيام الأخيرة موضوع تطبيع العلاقات مع السودان، ربطت طوال الوقت بين التطبيع وإعادة اللاجئين (أو بلسان مندوبي الحكومة: "مهاجري العمالة" أو "المتسلّلين") إلى السودان. في المقابل سارع البعض للتّذكير بأنّ اتخاذ خطوة من هذا القبيل في المستقبل المنظور ليس قانونيا، ولا أخلاقيا، ولا عادلا، وذلك لأسباب عدّة ومن بينها أنّ التطهير العرقي في دارفور وفي مناطق أخرى ما زال قيد التنفيذ، بينما تمتنع دولة إسرائيل منذ نحو عقد من الزمن عن فحص طلبات اللجوء التي يقدّمها اللاجئون السودانيّون. للاستزادة حول وضع طالبي اللجوء وفي إسرائيل والسياسة التي تمارس تجاههم راجعوا كتاب "لفينسكي زاوية أسمرا" الذي صدر في معهد فان لير في العام 2015.
هذا النقاش المحليّ سيتواصل في الأشهر والسنوات القريبة، ويكشف النقاب عن نزعات واسعة تتجاوز مسألة الوضع في دارفور أو العلاقات بين إسرائيل والسودان، وهي نزعات جرى تسليط الضوء عليها في برنامج "هَيوم شِأحري" ("اليوم التالي") التي قام بتنظيمه صندوق فان لير، وسينماتيك القدس، وصندوق برنارد فان لير ومعهد فان لير في القدس، وتناول اليوم الذي يلي الوباء. توقّع المخرج والنشاط الصيني آي فيفيي في مقابلة معه أنّ أمواج الهجرة التي شهدتها السنوات الأخيرة ستشهد تزايدا ملحوظا وادّعى أنّ هذا هو ثمن العولمة الذي يسدّده (وسيسدده) كل من استفاد منها حتى الآن.
القسم الأول من ادعاء آي فيفيي يبدو مقنعًا ولا خلاف عليه، لكن يبدو أن القسم الثاني من ادعاءه يندرج في خانة التمنّيات. فعلى الرغم من أنّ أعداد اللاجئين في العام يتزايد باستمرار إلا أنّ اللاجئين أنفسهم يدفعون ثمن ذلك حتى الآن، بالإضافة إلى الدول الفقيرة التي تستضيف غالبيتهم. على سبيل المثال تمكّنت إسرائيل في السنوات الأخيرة من إغلاق حدودها بإحكام أمام دخول اللاجئين، وتعمل حكوماتها المتعاقبة على إخراج النزر القليل من اللاجئين الذين يمكثون فيها.
إسرائيل ليست وحيدة في هذا المضمار، فجميع الدول التي تسمي نفسها دولًا "غربّية" طبّقت في السنوات الأخيرة إجراءات تسعى إلى منع دخول اللاجئين وسائر المهاجرين إلى مناطقها، لكنّ نجاحاتها محدودة للغاية مقارنة بدولة إسرائيل لأسباب عديدة ومن بينها الظروف الجغرافيّة – السياسية الخاصة للدولة. في نهاية المطاف ينجح أقلّ من عشرين بالمئة من اللاجئين في العالم في الوصول إلى الدول الأكثر ثراء وتطورا في العالم. إذا نجح مسار التطبيع بين إسرائيل والسودان، فسيشكّل الأمر فرصة للتساؤل: هل بالفعل ستدفع الدول الغنية الثمن؟