العمل في البيت، العمل من البيت
هداس بن إلياهو | 18.08.2020 | تصوير: Unsplash
خلق انتشار وباء كورونا تغيُّرات كثيرة في سوق العمل، مِن أبرزها الانتقال إلى العمل من البيت، حيث تبيّن للكثير من الشركات والمؤسّسات أنّ مكاتبها غير مُجْدية في فترة الإغلاق العامّ، وعليه فقد تهيّأت على نحوٍ سريع وناجع للانتقال إلى العمل من البيت. في مواجهة الحاجة إلى البقاء من الناحية الاقتصاديّة، جرى حلّ جميع الإشكاليّات العمليّة ولم يبقَ أثر للأصوات المعارضة التي تعالت فيما مضى، وجرى توفير حلول فوريّة لقضايا عديدة، نحو: أمن المعلومات؛ أجهزة الحَوْسَبة؛ الاتّصال بين الطواقم؛ الإشراف. فالمهمّ الآن هو مواصلة العمل. التدريس والخدمات المصرفيّة، والعلاجات الطبّيّة والنفسيّة والتطوير التكنولوجيّ، وإدارة العاملين والعاملات، والنشاط البدنيّ، والمؤتمرات والمحاضرات، كلّ هذه الأمور قمنا بها بنجاح كبير من داخل المنزل، وتبنّت أماكن عمل كثيرة منهج العمل من البيت، على نحوٍ جزئيّ أو كامل، كممارسة حتميّة ترتّب عنها –في ما ترتّب-إغلاق المؤسّسات التعليميّة وضرورة بقاء الأهل مع أبنائهم الصغار في البيت.
على الرغم من ذلك، لم تحظَ الصعوبات الكثيرة للحياة العائليّة بمراعاة تُذْكَر واستجابات ملائمة من قِبل الدولة أو أماكن العمل. في الماضي، رُفِضت مساعي تشجيع العمل من البيت التي ابتغت مساعدة الأهل (ولا سيّما الأمّهات) على الدمج بين العمل الأجير والحياة العائليّة، وقد جرى رفضها المرّة تلو الأخرى بذرائع مختلفة. هذه المساعي أدّت في أحسن الأحوال إلى تمكين العمل ليوم واحد في الأسبوع من البيت، أو حظيتْ بمكانة "ﭘـايلوت دائم"، من خلال الطلب ممّن يعملون أن يكونوا على استعداد دائم للاستجابة لاحتياجات "المكتب".
هذه المعارضة خفتت خلال فترة الكورونا، فهل يعود السبب في ذلك إلى حقيقة أنّ الحاجة إلى العمل من البيت كانت من قِبل النساء في الأساس، بينما أصبحت هذه الحاجة في فترة انتشار كورونا مشترَكة للنساء والرجال على حدّ سواء؟ هل ربّما كان هناك حتّى الآن خلط بين العمل من البيت والعمل في البيت، أم ربّما يعود الأمر إلى حقيقة أنّ النساء هنّ مَن ينفّذ العمل في البيت في الأساس (أعمال الرعاية والتدبير المنزليّ)؟
أُطلق على الأعمال المنزليّة اسم "الأعمال غير المرئيّة" (الأعمال التي لا تحظى بالاعتراف ولا يسدَّد مقابل لها كعمل)، وتنفِّذ معظمَها النساءُ، وهي تصوغ -إلى درجة كبيرة- واقع عملهنّ. التقسيم غير المتساوي للعمل غير المرئيّ بين الأمّهات والآباء يُعتبر أحد الترتيبات الاجتماعيّة التي صمدت عبر العصور، ولم يتغيّر فيها سوى القليل على امتداد السنوات. راجعَتْ سلسلةُ الأبحاث التي أجراها مركز "متساويات" لتعزيز مكانة النساء في ڤان لير والكلّيّة الأكاديميّة تل أبيب-يافا، راجعتْ ممارساتٍ مختلفةً للأعمال غير المرئيّة (في البيت وفي مكان العمل)، وإسقاطاتها على الحياة التشغيليّة والعائليّة للنساء والرجال في إسرائيل. في موقع "هي تَعْرف" (مركز معلومات حول النساء والجندر)، بوسعكم العثور على تشكيلة من النشرات التي تتناول هذا الموضوع في إسرائيل وفي دول أخرى عديدة، بما في ذلك ما كان إبّان فترة كورونا. الفائدة الاقتصاديّة التي تجنيها الدولة من الأعمال غير المرئيّة هائلة، لكنّها لا تتجسّد في المؤشّرات الاقتصاديّة القوميّة (الناتج المحلّيّ القوميّ -على سبيل المثال). على هذا النحو تربح الدولة مرّتين على حساب النساء: فبِكَونها المشغِّل الأكبر في السوق الاقتصاديّة هي تسدّد -في الغالب-أجرًا للنساء أقلّ ممّا يتلقّى الرجال؛ وفي المقابل لا تعترف بالعمل الذي تقوم به النساء في البيت، لا من الناحية الرمزيّة، ولا من الناحية الماليّة، ولا بأيّ شكل من الأشكال.
أهلًا وسهلًا بكلّ العاملين الجدد من البيت. نحن النساء نعمل في البيت منذ القِدم.
في 20.8.2020، ستُعْقَد في معهد ڤان لير ندوة مسائيّة بشأن الأعمال غير المرئيّة إبّان فترة الكورونا، وذلك في بثّ مباشر في فيسبوك ويوتيوب. انقروا هنا للاطّلاع على تنويعة من المحاضرات والنقاشات التي عُقِدت في الماضي عن هذا الموضوع.