الولايات المتّحدة تلغي الحقّ في إيقاف الحمل
عنات شاليم | 14.07.2022 | تصوير: Unsplash
نتحدث عن أيام سوداء وحالكة بالنسبة للنساء في الولايات المتحدة وفي سائر أرجاء المعمورة.
في يوم الجمعة الموافق 24.6.2022 أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية قرار حكم يلغي قرار حكم "روي ضد وايد"، الذي أصدرته المحكمة العليا في بداية سبعينيات القرن الماضي والذي حدّد أن حق النساء في خوض إجراء إيقاف الحمل محمي من قبل الدستور الأمريكي.
ما يعنيه إلغاء قرار الحكم هذا هو أن كل ولاية من الولايات الأمريكية تستطيع تحديد سياستها المتعلقة بقانونيّة إيقاف الحمل. في عدد من الولايات نحو تكساس، وألباما، واوكلاهوما، ومسيسيبي وولايات إضافية، بدأ سنّ قوانين تحظر تماما أو تحظر على نحو شبه تام عمليات الإجهاض. وكما يبدو سيأتي يوم عما قريب يتحول فيه السيناريو الذي تتُّهم فيه نساء بارتكاب مخالفة جنائية بسبب إيقاف الحمل إلى واقع ملموس.
وهذا ما حدث مؤخرا: في شهر نيسان الماضي جرى اعتقال ليزل هيريرا ابنة السادسة والعشرين حيث ادعت الشرطة المحلية بأنها نفذت عملية قتل، إذا تسببت على نحو متعمد بموت فرد من خلال عملية إجهاض متعمّدة. التفاصيل غير واضحة تماما، لكن بعض وسائل الإعلام تناقلت أخبارا مفادها أن هيريرا اشترت في المكسيك بعض الأدوية لإيقاف الحمل وتناولتها في تكساس، ويبدو أن الأمور لم تسر على ما يرام، لذا توجهت للمستشفى وتحدثت مع الطاقم الطبي حول الادوية التي تناولتها، وعليه جرى اعتقالها. بعد ثلاثة أيام اعترف المدعى العامّ اللوائي أن القانون في تكساس لا يمكّن من اتهامها بالقتل، وعليه جرى إلغاء الاتهامات الموجّهة إليها. على ضوء الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في تاريخ 24.6، فقد لا يحالف هذا الحظ الامرأة التالية التي قد تخوض هذه التجربة.
محاميةُ من لم يولَد
نشرت معيان غولدمان في العدد 52 من مجلة "تيؤوريا فيبيكورت"، مقالا تحت عنوان "محامية من لم يولد"، وتتقصى فيه أثر مجموعة من النساء اللواتي عملن بكد على الترويج لقوانين تحظر الإجهاض بطرق شتى، عندما كانت المحكمة العليا ما تزال تدافع عن الحق في الإجهاض، وسعين إلى إلغاء هذه الحماية والوصول إلى اللحظة التي وصلنا إليها. اسمت جولدمان مجمل هذه النشاطات والاحداث الاجتماعية ضد إيقاف الحمل بـ"محامية من لم يولد". تظهر قراءة قرار الحكم بأن المحكمة العليا قد تبنت مفردات وقاموس هذه الحركات، إذا أنه يتطرق على امتداد قرار الحكم إلى "الطفل الذي لم يولد بعد" (unborn child). تسأل جولدمان نفسها في المقال بصوت عال هل تختلف هي بالفعل عن محامية من لم يولد بعد تلك المحامية تحوّل بأقوالها جنينا، (وهو كتلة من الخلايا الحية) إلى شخص لم يولد بعد، وغولدمان التي تقرأ مشكّكة بجميع خطوات ونوايا المحامية، قد تكون دونما قصد تُعظّم هذه الخطوات والنوايا أكثر مما يجب بواسطة شكوكها؟
نرى اليوم أن الخشية من قوة معارضي الإجهاض لم تكن مبالغة على ما يبدو. الشبكات الاجتماعية تعج في هذه الأيام ببوستات لنساء (ورجال) غاضبات وغاضبين ضد القرار. لكن هذا الغضب يخبئ من خلفه الكثير من الخوف واليأس في صفوف الكثير من النساء في الولايات المتحدة وفي أرجاء العالم وحتى في إسرائيل.
الحق على جسمي- إلى أين نتجه؟
في الندوة المسائية التي أجريت في فان لير في أيار 2022، حيث كان قرار الحكم مجرد إشاعة مسربة، ولم يكن بعد قرارا نهائيا، حاولنا أن نفهم دلالاته وأسبابه، وان نفهم أيضا كيف تؤثّر التغييرات التي تحصل في الولايات المتحدة الأمريكية علينا هنا في إسرائيل.
إحدى الاستنتاجات التي أضفت على النقاش أهميته البالغة هي أن الحديث لا يقتصر هنا على الحق في إيقاف الحمل غير المرغوب، ولا حتى على حق النساء على أجسادهم، فإلغاء قرار حكم رو ضد ريد الذي شكّل إنجازا نسويا عظيما جرى تحقيقه بعد جهد جهيد، يشير إلى هشاشة إنجازات الثورة النسوية، والسهولة التي يمكن فيها إلغاء هذه الإنجازات والعودة الى الوراء، وهذه الهشاشة تنسحب على البلاد أيضا، ولا تقتصر على الولايات المتحدة.
شاركت في النقاش البروفيسورة نويا ريمليط من دائرة القانون في جامعة حيفا، حيث طرحت تحليلا عميقا حول قرار الحكم ودلالاته، وأرفقت ذلك بنقد لاذع. وادعى المحرر والكاتب اساف ساجيف أن قرار الحكم الأصلي "روي ضد وايد" كان خطوة راديكالية مفرطة، وهي خطوة خلقت رد فعل محافظ أدى إلى إلغاء قرار الحكم في هذه الأيام؛ وفسّرت شارون أورشاليمي طالبة الدكتوراه في مجال إدارة المنظومات الصحية في جامعة بن غوريون، وباحثة في مجال سياسات الإخصاب وحقوق التكاثر، فسّرت كيف أن الحق في إيقاف الحمل يستخدم كتعديل ضروري لغياب العدل التكاثريّ، وتحدثت عن الوضع القانوني المتعلق بإيقاف الحمل في البلاد، وحول النضال الإسرائيلي لتغييره.
في تاريخ 6.7 أجريت ندوة تحت مسمى النسوية، والجندر والطب، التي ضمت جلسات متنوعة حول مواضيع مهمة: إيقاف الحمل غير المرغوب، وعنف القابلات، والتكنولوجيا الطبية المعدة للنساء، والأمراض غير المرئية، وغير ذلك.