رأي: حكومة جديدة – فرصة لتوجه جديد للإسكان الجماهيري
د. شاني بار طوفيا | 12.09.2021 | تصوير: Unsplash
ما هي العلاقة بين الإسكان الشعبيّ والطبقة الوسطى؟ وكيف يتّصل هذا الأمر بـ"ما بعد الرأسمالية"؟ تراجع د. شاني بار طوفيا ترسُّخِ فكرة الإسكان الشعبيّ للجميع في الخطاب العام، وأهميّته، وحسناته.
إزالة الغبار عن الجهاز السياسي في الأشهر الأخيرة يظهَر حتّى في مجال الإسكان الجماهيري، إذ تلقّى النضال من أجل الإسكان الجماهيريّ في إسرائيل دُفعةً إيجابيّة مع إقامة حكومة جديدة يعتبَر وزير المالية ووزير الإسكان فيها من القادمين الجدد، علاوة على انضمام نعماه لزيمي إلى الكنيست، وهي الناشطة التي عملت في مجال الإسكان الجماهيري لفترة طويلة.
المظاهرات أمام منزل وزير البناء والإسكان زئيف إلكين، وتصريحات عضوة الكنيست لزيمي في جلسات الكنيست، وفي الميديا الاجتماعية ووسائل الإعلام طرحت مصطلحا لم يكن رائجا حتى الآن في إسرائيل وهو: الإسكان الجماهيري للجميع. والمقصود هنا هو توفير مساكن جماهيريّة عامة لشرائح سكانيّة واسعة بما في ذلك الطبقة الوسطى، وعدم اقتصار الأمر على توفير حلول لأكثر الشرائح فقراً في المجتمع.
مطلب الإسكان الجماهيري يعبّر عن تصوّر مفاده أن المسكن هو حاجة إنسانية أساسية، لذلا لا يجدر التعامل معه كسلعة. من جهته، ينهض مشروع "ما بعد الرأسمالية" في معهد فان لير بتصوّر من هذا القبيل منذ سنوات عدة، ولا يقتصر على موضوع المسكن فقط، حيث وضع المشروع نصب عينيه تشجيع التفكير الاقتصادي الجديد الذي يتناول النهوض بأهداف إنسانية بدل زيادة الأرباح – أهداف كالصحة والتربية والتعليم، ووقت الفراغ، والطاقة المتجددة وغيرها، وذلك من خلال العمل مع باحثين وباحثات، ومنظّمات من المجتمع المدني، وأدباء وأديبات، وغيرهم.
تغيير منهج التعامل مع الإسكان الجماهيري في إسرائيل، وهو تغيير سيعكس مفهوم الإسكان كهدف إنساني وليس كعقارات، يشكل تغييرا مهما، وعاجلا، وممكنا أيضا. يارون هوفمان-ديشون وهو باحث من مركز أدفا، يتعاون في موضوع الإسكان الجماهيري للجميع مع معهد فان لير لأكثر من عامين، وقد تحدث حول الموضوع في مناسبتين عقدتا في المعهد مؤخرا: أوضح هوفمان-ديشون في نقاش عبر الشبكة الالكترونية (بمشاركة منظمات من المجتمع المدني، ومنظمات يتعاون معها المعهد بغرض تطوير ممارسات ما بعد رأسمالية في مجالات متنوعة)، أوضح أنّ الطبقة الوسطى تعاني هي الأخرى في الواقع الإسرائيلي الراهن، وباستثناء طبقة صغيرة ثرية للغاية فإن اقتناء شقة يعني بالنسبة للسواد الأعظم من الناس يعني استدانة "قرض إسكان يخلق حالة عبودية تتمثل في إعادة القرض على امتداد الحياة، ويشكل خطرا داهما ومستداما".
وكما وضّح هوفمان-ديشون في النقاش الالكتروني فإن هدف المشروع المشترك لمركز أدفاه ومعهد فان لير هو رسم بديل لهذا الواقع، وإظهار ما مفاده أن مفهوم الإسكان كاستثمار جماهيري عام ليس كسلعة (كما ينظر اليوم في إسرائيل للتعليم والصحة بدرجة كبيرة) ليس مهما فحسب، بل هو ممكن أيضا، وليست موديلات الإسكان الجماهيري للجميع التي طبقت في مناطق مختلفة في العالم بنجاح (وليس في الدول الاسكندنافية فقط) سوى دليل على هذا الأمر.
قبل ذلك بعدة أسابيع ربط هوفمان-ديشون في النقاش المفتوح الذي أجري بعد عرض فصل من المسلسل الوثائقي "دليل الجنتريفيكاتسيا" (دليل الاستطباق)، ربطَ بين إخفاقات الإسكان الجماهيري في إسرائيل وبين التوترات القوميّة في يافا وفي المدن المختلطة الأخرى في إسرائيل، وفعل الأمر ذاته صنّاع وصانعات المسلسل وغيرهم من المشاركين والمشاركات في الندوة. في مناسبة أخرى عقدت في المعهد، والتي تناولت الشبان العرب في إسرائيل في هذه الأيام، طُرح موضوع الإسكان بحدة.
يتبين من النقاشات على نحو قاطع ما يلي: في إسرائيل ترتبط ضائقة الإسكان بتوترات طبقية وقومية على نحو يحولها إلى قنبلة موقوتة يجب إبطال مفعولها. هل ستقرر الحكومة الحالية القيام بذلك على نحو جدي؟ وهل سترتئي القيام بذلك بواسطة الإسكان الجماهيري للجميع، والذي أثبت نفسه في مدن أخرى في العالم؟ ثمة أسباب تدفعنا للتشكيك بذلك، لكن ربما ينجح نضال متجدد من أجل الإسكان الجماهيري في الدفع نحو هذا الاتجاه، لا سيما إذا وضَع مسألة الإسكان الجماهيري للجميع في صلب مطالبه.