رأي: لاجئون، غير يهود
د. شاي تينغر | 29.03.2022 | تصوير: Unsplash
ها هي الحرب تندلع مرة أخرى في أوروبا، بعد مضي 72 عاما على الحرب إياها، وثمة مخاوف متجددة بأن تتسع رقعتها وتتحول إلى حرب عالمية، وفوضى تجرفنا جميعا نحو دائرة الدّم والتشتت والضياع-ضياع الحياة والبيت. في شهر آذار 2022 عقد معهد فان لير بالتعاون مع سينماتيك القدس ندوة تناولت تعامل دولة إسرائيل – كدولة يهودية – مع طالبي اللجوء واللاجئين. أعد الندوة شاي تينغير، وكان موضوعها الحرب التي يدور رحاها في أوكرانيا التي أثارت لدى تينغير الأفكار التالية:
ها هي صور اللاجئين لتتصدر المشهد مرة أخرى. نساء ورجال وأطفال يفرّون من منازلهم ومن وطنهم بحثا عن مكان آمن يمكثون به إلى حين مرور العاصفة وانتهاء القصف. نرى هؤلاء على شاشات التلفزة ومن خلال المقالات الصحفية، ونسمع أصواتهم الخائفة المذعورة في محادثات ورسائل صوتيه هاتفية. بعضنا لديه أقارب هناك.
هذه المرة نشعر أن هذه الحرب قريبة، وتمت بنا بِصِلَة مباشرة، على الرغم من البعد الجغرافي الشاسع والفروقات الكبيرة. ربّما لأن الحديث يدور هذه المرّة عن لاجئين بيض، وأوروبيين، يشبهوننا، ويرتدون ملابس كتلك التي نرتديها. هذه المرة لا تستطيع آليات الحماية الإبعاد والكبت، التي تساعدنا على احتواء ما لا يمكن احتواؤه، على حمايتنا.
اليهود، شعب من اللاجئين
أسئلة ثاقبة تراودنا في مقابل المشاهد والأصوات التي تأتينا من كييف: نحن اليهود، شعب من اللاجئين، ماذا عسانا فاعلين من أجل هؤلاء؟ ما هو واجبنا تجاههم؟ ما هو دور إسرائيل، ألا وهي الدولة اليهودية، في هذه الدراما العالمية؟ هل علينا الاكتفاء بإرسال الملابس والأدوية والحفّاظات؟ هل لدينا مكان لهم هنا في البلاد، وفي القلب؟
ثمة مزيج من الأصوات التي تعلو داخلنا، وبعضها يعيش حالة من التصادم. من ناحية – تتطلب الأخلاق والرأفة والإحساس بالتماثل من الحكومة أن تفعل المزيد وأن تدخِل هؤلاء الذين يتكوّمون على أبوابنا. هذه الأصوات تنتقدنا، وتخجل، وتغضب بسبب المعاملة الباردة والمشكّكة والانعزالية – من داخل شعور عميق بالعدل والألم. لقد أزفت الساعة لإنقاذ الأرواح، لا لفحص المستندات. بالنسبة لهذه الأصوات في داخلنا لا يهمّ إن كان اللاجئون أوكرانيين أم يهود؛ فهؤلاء لا يرون أمامهم سوى بشرا مثلنا، من خلق الله.
في المقابل، في أجزاء أخرى داخلنا تتعاظم الحاجة للمحافظة على أنفسنا، وعلى وجودنا كدولة يهودية – كدولة تشكّل ملاذا آمنا لليهود. فنحن لم نقدم إلى هنا إلا لهذه الغاية، لقد هربنا من هناك، من كلّ الأماكن التي كنا فيها أغراب، نحن اللاجئون الضعفاء الذي يبتغون الرأفة والرحمة من الآخرين. ربما تحت هذه الحاجة (أي حاجة المحافظة على يهودية الدولة) لا تمْثُل فقط طهارة الدم أو خطر الاندماج والانصهار، وبالتالي فقدان الهوية اليهودية، بل وربما في الأساس الخوف من أننا إذا لم نحافظ على أنفسنا فقد نصبح لاجئين مرة أخرى.
حيال الوضع الراهن والوضع الطارئ – الأصوات المختلفة في داخلنا آخذة بالتطرف، فهي تهاجم تارة وتدافع تارة أخرى. لقد اعتدنا على أن الخطاب الجماهيري العام لدينا ما هو إلا ساحة حرب ونزال، فكل طرف يجذب بكل ما يملك من قوة في اتجاهه ويتهم الآخرين. يبدو أن هذا ما يميز قوانين اللعبة السياسية لدينا. ويجري التعامل مع الأصوات التي تدعو لإجراء تحادث من نوع آخر بأنّها ساذَجة وغير واقعية. لكن هل هذا هو الحال بالفعل؟
اللاجئون – مشكلة عالمية
مشكلة اللاجئين لم تحلّ مع إقامة دولة إسرائيل، إذ ثمة مزيد من هؤلاء في هذا العالم، وعلينا أن نعترف ببالغ الأسى أن ثمة المزيد من الناس الذين سيصبحون لاجئين. وحتى في اللحظات التي يبدو فيها أنّ هذا الموضوع قد جرى دفعه نحو هامش الاهتمام لكنه يبقى هناك ويهدّد بالانفجار. هذا هو السبب الذي دفع اليهود من جميع التيارات للعمل بعد الكارثة على صياغة معاهدة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة: في سبيل مساعدة أبناء شعبهم ومساعدة أبناء الشعوب الأخرى، وليس من منطلق الرأفة والواجب الأخلاقي وحسب، بل كذلك من خلال الاعتراف الصعب والمخيف بأنّ رؤيا الأنبياء للسلام والأخوّة ما زالت سارية، وأن البيت الذي يبدو آمنا في لحظة واحدة قد يتحول في لحظة أخرى إلى ساحة معركة.
ربما كان هذا هو السبب الذي يدفع دول الغرب هي الأخرى لفتح أبوابها للاجئين من أوكرانيا، بينما كانت قد أغلقت نفس الحدود امام اللاجئين الآخرين من أفريقيا وأفغانستان وسوريا قبل ذلك بقليل. وعلى نحو غير واع وغير مدرَك يتغلغل الفهم بأنّ ميزان القوى الحاليّ لن يدوم، وأنّ العالم الغني والقوي الذي يجلس في بيته آمنا قد يحتاج يوما ما القوانينَ والمعاهدات التي تضمن الملاذ للاجئين، حتى لو لم يرغب الغرب بالاعتراف بهذا الأمر.
إلى جانب العمل الفوري وحالة الطوارئ الحالية، ثمة حاجة لحيز مفتوح للنقاش والتفكير العميقَين حول هذه الأسئلة كي نتحلى بمزيد من الجهوزية في الانفجار القادم. كي نوفر مكانا لخطاب من نوع آخر يمنح حيزا لجميع الأصوات والأطراف، ولاستحقاقات أخلاقيّة وشراكة المصير، إلى جانب الحاجة لتوفير الأمن لشعبنا، وهو أمن لا يرتكز على قوة المال فقط، بل أيضا على هُويّة مشتركة وعلى الاحساس بالانتماء. يطلَب منا الآن أن نتحلى بالشجاعة كي نطرح هذه الأسئلة الصعبة والمعقّدة، حتى لو لم تتوفر لدينا أجوبة مباشرة عليها.