رأي: لو كان للطبيعة صوت
عيدو وولف | 16.01.2022 | تصوير: David Vig
يسعى "طو بِشباط" ("عيد الشجرة") إلى لفت انتباهنا إلى الحاضر – الغائب لهذا العالم، فاقد الصوت، ألا وهي الطبيعة. يسعى عيدو وولف إلى لفت انتباهنا لكلّ ما يزهر من حولنا على خلفية الأزمة المناخية التي ما انفكت تقض المضاجع.
لو كان بمقدور الطبيعة أن تتحدث، ماذا كانت ستحكي لنا؟ من الصعب أن نتخيل أمرا كهذا. بداية يتطلّب الأمر منا لحظة واحدة نقوم فيها بعملية أنسنة، أي الإخضاع للغة البشر، وعندها نشحن هذه اللحظة برسائل تبدو لنا إنسانية، وكان من المفترض أن تقال. ثانيا، لو كانت الطبيعة تتكلم، لكانت تبكي على الأزمة المناخية، أو تشتكي على التقاليد الزراعية القديمة. في جميع الأحوال ستكون أقوالها قاسية، ولن يكون من السهل الاستماع إليها. ربما، من الأفضل إذا أن تبقى صامتة؟ لمَ علينا أن نوقظ تنينًا من سباته؟
منح صوت لمجتمعات مهمّشة يشكل أمرا تسعى كيانات مجتمعية للتعامل معه مرارا وتكرارا، ومنذ الأزل. الأنظمة الديمقراطية ترتكز على قيمٍ من هذا النوع، في إطار علاقات الأغلبية بالأقلية. التوق لمنح صوت للطبيعة أيضا، بكل أطيافها، قد يبدو عملا طموحا للغاية، لكن لا يدور الحديث بالضرورة عن عمل تآمري. حرية التعبير، هكذا يدعي الكثير من النشيطين البيئيين، هي حق مكرّس، وحري بنا أن نمنحه للطبيعة أيضا. بمفهوم معين، يعتبر نشيطو البيئة أنفسهم وكلاء يعملون كبوقٍ وفق هذا الأمر الأخلاقيّ، ألا وهو حرية التعبير. ويطلبون التكفير عن ذنوب البشرية، ويسعون للتعامل مع صمت الطبيعة من خلال المظاهرات، وممارسة الضغوطات على صناع القرار، و نشر الأبحاث، ومن خلال سبل أخرى كثيرة.
في عصر الأنثروبوسين (عصر الإنسان) الذي يتميز بالتأثيرات الهائلة للإنسان، لم يتبقى لنا سوى أن نكون بوقا مدوّيا لألم الطبيعة على ضوء الأزمة المناخية. الحجم الهائل للظاهرة قد يشوّش العقل السليم لأّن من الصعوبة بمكان لبني البشر أن يستوعبوا الأمر: فعلى الرغم من أنّ الأزمة المناخية حاضرة في حياتنا على نحو قاطع لا لبس فيه، وحضورها مقرونٌ بدلائل لا يمكن إنكارها، على الرغم من ذلك ثمة من ينكر وجودها، لكن هذه قضية أخرى. وماذا بخصوص الطرف الذي يؤمن بأنّ الأزمة قائمة وحقيقية؟ هنا أيضا يبدو أن حجم القضية قد يثير صعوبة إدراكية حتى في صفوف الكثير من النشيطين البيئيين؛ حجم الأزمة يدفع في بعض الأحيان إلى الاستسلام. أكثر ما يخيف في الأمر هو إدخال وتخليد اليأس إلى الخطاب البيئي. علينا أن نذوت جيدا ما يلي: اليأس يفقدنا الإحساس. لقد وصف أريك آينشتاين الأمر جيدا في أغنية " قاتمٌ قاتمْ": " لا أمواج هناك في البحيرة/ ولا كائن حي ولا حتى إنسان/ وأنا أيضا فجأة لست هناك/ فجأة كل شيء قاتم قاتم/ الآن لم أعد أرى شيئا/ الأن لم أعد أرى".
اليأس قد يجتثّ استعدادنا ودافعيتنا للعمل من أجل التقويم والتصحيح، وقد يدفع بنا لأن نقف مكتوفي الأيدي. اختُتِم مؤتمر غلازجو بروح اليأس هذه عندما ألقت غيرطا تونبيرغ (وهي إحدى الشخصيات الأكثر تأثيرا في قضية الأنثروبوسين) خطابا حماسيا أمام عشرات الآلاف من الناس، ووجهت فيه إصبع الاتهام لعالَم الكبار الذي أخفق إخفاقًا مدويا. لا شك أن الخطاب يحمل في طياته انتقادات مهمة، لكن علينا أن نسأل أنفسنا: هل هذا هو التكتيك الصحيح؟ نعم، يثير "هزُّ الرَسَن" على هذا النحو حركة داخلية معينة، لكن مردود هذه الحركة في بعض الأحيان قد يكون عكسيا، فقد تُحيّد دون قصد الرغبة في العمل. من الجدير ان نذكر بأن هذا النوع من النقد ليس جديدا، إذ ثمة اتجاه في صفوف باحثين ونشيطين بيئيين يسعون (بعد الإخفاقات الكثيرة للبشرية في مواجهة الأزمة المناخية)، يسعون إلى ضخّ نوع من الأمل في رسم سبل العمل القابلة للتطبيق.
هكذا هو الحال: في بعض الأحيان يكفينا بصيص من الأمل، بصيص حاد يخترق غابة اليأس كي تنمو بذرة لتصبح شجرة فيما بعد. لا يدور الحديث بنظري عن توجه ساذج بل توجه عملي يسعى إلى الإمساك بالموجود. وعلى الرغم من أنّه قد يبدو أحيانا أنّ السفينة في طريقها إلى الغرق. نعم، عصر الأنثروبوسين قد يكون عصر الحالمين أيضا. تحمّل المسؤولية في المعركة مقابل اليأس يشكل إحدى المَهمّات البشرية الأصعب. في أحيان متقاربة نخسر في المعركة، لكن الأمر لا يعني أن علينا أن نتوقف.
"طو بِشباط"، يقدس هذا الوقت لصالحنا بطريقته، كي نكون، ويلح علينا أن نوجه نظرنا إلى كل ما يُزهِر، وليس نحو كل ما يذبُل. هذا التفاؤل المشوب بالحذر قد يكون فريسة سهلة لكل النقاد اللاذعين، لكن أهمّيته لا تقل عن تلك الحقيقة التي تقضّ المضاجع، لا سيما في صفوف من يسعون لتنمية بذرة أمل في قلوبهم، والتي قد تنمو وتعطي ثمرة التغيير؛ هذان الأمران يعيشان تحت سقف واحد. كنت أود أن أؤمن أنه لو كان للطبيعة أن تبشر بأمر ما، فهذا هو الأمر الذي تختار أن تقوله.
في شهر كانون الثاني ستفتتح سلسلة محاضرات بناها ويديرها د. عوفري أيلاني – عصر الأنثروبوسين: الحياة بعد الطبيعة. ستتناول السلسلة أبعاد الأنثروبوسين والأزمة البيئية وأمورا أخرى لا تطرح للنقاش في المعتاد.