في دائرة الضوء: حنان سعدي

14.02.2021 | تصوير: حنان سعدي

تعمل حنان سعدي مركّزة مشاريع في موضوعة إسرائيل في الشرق الأوسط، ومركّزة لهيئة تحرير سلسلة مكتوب، ومحرّرة اللغة العربيّة في موقع الإنترنت التابع لمعهد ڤان لير. البدايات كانت في العمل مع د. عادل منّاع في مَركز دراسات المجتمع العربيّ الذي عمل في تلك الأيّام من داخل المعهد. في العام 2006، انخرطت حنان في المعهد بوظيفة مركّزة مجال المجتمع المدنيّ في إسرائيل برئاسة الـﭘروفيسورة حانه هيرتسوغ.

حدّثينا يا حنان عن نفسك. كيف بَدَتْ حياتك قبل انخراطك في ڤان لير؟

وُلِدتُ في عكّا لعائلة من جيل النكبة، أصلها من قرية الزِّيب المهجَّرة التي تحوّلت في العام 1948 إلى "أخزيـڤ". أمضيت سنوات طفولتي في عكّا القديمة بجانب الميناء في منزل رحب ودافئ،

ولي خمسة إخوة وأخوات. عندما بلغت الثانية عشرة من عمري، انتقلنا للعيش في شمال عكّا، وهناك التقيت للمرّة الأولى بجيران يهود.

تلقّيت دراستي في مدرسة تيراسنطة، وأنهيت فيها المرحلة الثانويّة، وتحوّلت بعدها لدراسة موضوعَيِ التربية والعلاقات الدوليّة في الجامعة العبريّة في القدس. حصلت على الماجستير وعشت بضع سنوات في القدس، ثم أقفلت راجعة إلى عكّا. ولأنّني كنت عاطلة عن العمل، درست للحصول على شهادة سكرتيرة مرموقة. عملي الجِدّيّ الأوّل كان في مجال التربية مع فتيات عرضة للخطر؛ وقد كان عملًا مفعَمًا بالتحدّيات ومشوّقًا للغاية، إذ عملت مع فتيات في ضائقة أُخرِجْن من بيوتهنّ بأمر من المحكمة لأسباب عديدة، من بينها الإهمال والتحرّش وتَعرُّضُهنّ لتصرّفات مؤذية ومسيئة وغير ذلك. كانت الفتيات بحاجة إلى مَلاذٍ آمِنٍ وداعم، وإلى من يأخذ بأيديهنّ، وكان الأمر بمثابة تحدّ كبير بسبب التعقيدات في حياة كلّ واحدة منهنّ. أعتقد أنّني تمكّنت من العثور على المواهب الدفينة لدى بعضهنّ، وخصّصت جلّ وقتي في سبيل ذلك.

بعد أن انتهيت من هذه الوظيفة هناك، قرّرت العودة إلى القدس. أحبّ هذه المدينة حبًّا جمًّا، لكن القرار بمغادرة البيت وعكّا لم يكن سهلًا؛ إذ لم يكن مقبولًا آنذاك في المجتمع العربيّ أن تغادر الفتاة بيت أهلها وتذهب للسكن في مدينة أخرى، ولا سيّما إذا كانت هي آخر العنقود؛ فقد كان يُتوقّع منها أن تبقى مع أهلها ما لم تتزوّج. والدايَ -رحمهما الله-كانا منفتحَيْن ومتقبّلَيْن وليبراليَّيْن نسبيًّا. وعلى الرغم من أنّ خطوتي هذه لم تكن سهلة بالنسبة لهما، فقد تقبّلا قراري. على الرغم من ذلك، استغرق الأمر بعض الوقت إلى حين إدراكهما أنّ خطوتي هذه لم تكن مؤقّتة، بل كانت قرارًا مصيريًّا باختيار طريق حياة. حتّى اليوم، ما زلت ممتنّة لهما من صميم قلبي على هذا الأمر.

انتقلت للسكن في حيّ شعفاط في القدس، وما زلت أعيش هناك حتّى يومنا هذا. في البداية، عملت مدرّسة في مَدرسة للتعليم الخاصّ، ثمّ مركّزة إداريّة في جمعيّة سيكوي، ومن هناك وصلت إلى معهد ڤان لير وبقيت فيه.

كيف يرتبط كلّ هذا بالأمور التي تقومين بها في ڤان لير؟

سأبدأ من النهاية: أعتقد أنّ وظيفتي الأخيرة -مركِّزة هيئة تحرير مكتوب لترجمة الأدب العربيّ إلى اللغة العبريّة-تلخّص من أكون ومعتقداتي تلخيصًا جيّدًا. "مكتوب" ليس مجرّد مشروع ترجمات؛ بل هو كذلك طريق فكريّ يمنح الحيّز والاحترام لمنهج ثنائيّة اللغة وثنائيّة القوميّة. معرفة الآخَر والتعرّف عليه (الآخر في هذه الحالة هو العربيّ والفلسطينيّ) من خلال الأدب (الذي أحبّه حبًّا جمًّا) يشكّلان محورًا مركزيًّا في معتقداتي ونظرتي الحياتيّة. الأمر ذاته ينسحب على موضوعة "إسرائيل في الشرق الأوسط". في المشاريع التي أركّزها ثمّة الكثير منّي، وأنا جِدّ سعيدة للفرصة التي سنحت لي للمشاركة في هذا الصدد.

ما هو المجتمع الفاضل برأيك؟

هو المجتمع المنفتح الذي يتقبّل الآخر ويتقبّل الاختلاف، ويمنح حيّزًا لكلّ الأطياف التي يتكوّن منها، ولمختلف الهُويّات الشخصيّة والقوميّة، ولمختلف المعتقدات. هو المجتمع الذي ينجح في محاربة العنف ونبذه ونبذ مسبِّباته، ويشجّع على حبّ المعرفة والتحصيل العلميّ، وحبّ الموسيقى والفنّ والإبداع والعطاء، وفيه متّسع لمختلف أطياف المجتمع كي تعبّر عن نفسها وتعيش حياة كريمة وآمنة. هو المجتمع البَنّاء الذي يدعم الإنسان الحرّ، ويشجّعه على تحمُّل المسؤوليّة عن نفسه وعن مجتمعه دون العيش في هذا المجتمع كقطيع.

هل لك أن تشركينا في أحد تبصُّراتك من العمل؟

ذات مرّة، كنت أرى الأمور من خلال لونين هما الأسود والأبيض. تعلّمت في عملي أن أرى الأطياف الأخرى أيضًا- تلك التي تلائمني وتلك التي لا تلائمني. لكنّني تعلّمت كيف أتعايش معها، ومع وجودها ومواجهتها.

ما الذي لم يُكتب في سيرتك الذاتيّة؟

لم يُكتَب أنّني أحبّ الطبيعة، والأدب والموسيقى والقطط، وصناعة المخبوزات، ولديّ نقطة ضعف تجاه الشيخوخة.

 

========

هيّا نلخّص بكلمة واحدة...

عندما تكبرين ستكونين:

صاحبة مقهى صغير في البلدة القديمة في عكّا.

لو لم تكوني تعملين في المعهد، لكنتِ:

لربّما كنت سأعمل في مجال علاجيّ أو مدرّسة في مجال الأدب المقارن.

الحقل المعرفيّ الأهمّ بنظرك:

علم النفس.

المفهوم النظريّ الأسمى:

"كلّ حالة قهر تخلق حالة حرب"، سيمون دي بوڤوار.

وفي حقيقة الأمر، تواصلت في الآونة الأخيرة مع تعبير يلائم الحقبة الحاليّة على الرغم من أنّه ليس نظريًّا: "الوضع يتغيّر على الدوام، جيّدًا كان أَمْ سيّئًا".

المفكّر /الباحث الأهمّ:

إدوار سعيد، ونوال السعداوي.

ركْنُك في ڤان لير:

الحديقة، وغرفة عملي بطبيعة الحال.

معهد ڤان لير هو:

مكان يبعث على الشعور بالانتماء على الرغم من التبايُنات.

 

شكرًا، يا حنان. نحن نعرفك منذ مدّة طويلة، لكن بِتْنا نعرفك الآن أكثر.

الانضمام الى القائمة البريدية