قراءة القصص للأطفال في المجتمع العربي في إسرائيل
هيفاء صبّاغ | 12.09.2022 | تصوير: صورة غلاف قصة للأطفال
ما الذي يستطيع فعله أطفال لا يتمكنون من ارتياد مكتبة عامة؟ ماذا تفعل طفلات لم يقرأ لهنّ أحدٌ قصصًا في طفولتهنّ؟ كيف سيبدأ هؤلاء الأطفال والطفلات الصفّ الأول؟ الإجابة في المجتمع العربيّ قاطعة: ستكون ثروتهم اللغوية هزيلة، وستكون اللغة العربية الفصحى بالنسبة لهم لغةً أجنبيةً؛ سيعاني الأطفال من فجوة إدراكيّة، واجتماعيّة ووجدانية، وسيكون تحصيلهم العلمي متدنّ.
مراحل النمو الأولى في سنّ الطفولة تحمل تأثيرا حاسما على الحياة اللاحقة للفرد: النجاح الدراسيّ في المدرسة، والمشاركة الاجتماعيّة في الحياة البالغة يتعلّقان تعلقًا بالغا بجودة الأسس التي وضعَت في بداية الطريق. التعلّم في هذه السنين ضروري وحيوي، ويساهم في تطوير الذكاء، والمعرفة، والمهارات، والوعي القرائيّ، والسلوك الاجتماعيّ، واللغة، والقيم التي يتسلح بها الطفل. قراءة الكتب في مرحلة ما قبل المدرسة تصوغ أنماط تفكير الطفل، وتعامله مع نفسه ومع العالم، وتضع الأسس لثروته الثقافيّة ونجاحه في المدرسة وفي التعليم العالي.
الحرمان من قراءة قصص الأطفال في المجتمع العربي
ثقافة قراءة القصص للأطفال (أو من قبلهم) في المجتمع العربي تعاني من نقص شديد، لا سيّما في صفوف المجتمعات المهمّشة التي تضم أطفالا يقبعون تحت خط الفقر، والذين لا يمكّن غياب البنى التحتية في محيطهم من بناء ما يكفي من الأطر المعدة لهم في سنّ الطفولة المبكّرة. علاوة على ذلك ثمة نقص في متاحيه قصص الأطفال بالعربية، سواء كانت مترجمة أم كتبت باللغة العربيّة في الأصل. النقص في القراءة في هذه الأعمار في المجتمع العربيّ يوسع الفجوات القائمة، ويعزّز غياب المساواة بين المجتمع العربيّ والمجتمع اليهوديّ في إسرائيل.
أطلق معهد فان لير مبادرة لتغيير الواقع، وأدار بين عام 2012-2019 برنامجا تداخليّا لرعاية وتنمية ثقافة القراءة للأطفال، بالتعاون مع مجموعة من الباحثين الاختصاصّيين. جرى تنفيذ البرنامج في ثلاث مدن وبلدات عربية في البلاد: أمّ الفحم، والقدس الشرقيّة، وبلدة حورة في النقب، بالإضافة إلى القرى غير المعترف فيها في المنطقة. أقيم هذا البرنامج بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، والسلطات المحلية، ومهنيّين ومهنّيات ميدانيين، والقيادات المجتمعية في مواقع تنفيذه، وحصل على دعم من صندوق برنارد فان لير، وصندوق بايدر.
ضم طاقم البرنامج كل من د. صفيّة حسّونة-عرفات، د. حنين مجادلة، البروفيسورة مرغاليت زيف، د. محمد زهدي، مدير قسم التربية والتعليم في بلدية أم الفحم، د. أريج مصاروة، سميرة البدور، المفتّشة في مجال الطفولة المبكرة في حورة، د. أحمد حليحل، وهيفاء صباغ، مديرة برامج في موضوعة إسرائيل في الشرق الأوسط في معهد فان لير في القدس.
الحل لنقص أدب الأطفال في المجتمع العربي
الحل الذي ابتكره البرنامج للنقص في كتب الأطفال ذات الجودة العالية باللغة العربية يرتكز في جزئه على أدب الأطفال المحليّ، الذي الفه عدد من الكتاب والكاتبات المعروفين في المجتمع العربي كحنّا أبو حنّا، وصفاء عميرة، وفاضل جمال علي. علاوة على ذلك سعى البرنامج إلى استيراد كتب أطفال ذلا ذا جودة عالية من الدول العربية المجاورة مثل لبنان ومصر والأردن. أثّر البرنامج كذلك على عدد من المهنيات والمهنيين، ودفعهم/نّ لتطوير عادات القراءة في صفوف الأطفال (وللأطفال) في جهاز التربية والتعليم، وكذلك في صفوف المجتمع المحلي والعائلات، وذلك من خلال أنشطة مختلفة نحو إثراء المكتبات العامة، وعقد مناسبات للقراءة من قبل الأطفال وقراءة مشتركة بين الأهل والأطفال. مع مرور الوقت تطورت في منطقة المثلث مبادرات لكتابة أدب الأطفال بعضها عام وآخر خاص.
نتطرق هنا لمبادره ناجحة ولدت على ضوء البرنامج في مدينة أم الفحم: هي إقامة دكان الكتب "مكين Makeen" الذي شاركت في معارض كتب في العالم العربي وحاكت علاقات مع كتاب لأدب الأطفال باللغة العربية، ووفرت كتب أطفال ذات جوده عالية.
على الرغم من كل هذه المبادرات والمشاريع، ما زال هناك نقص في كتب أطفال ذات جودة عالية باللغة العربية، تلك التي تناسب الفئة العمرية، وتطور الخيال وترافقها رسومات ملائمة، لكن لا شك أن الوضع قد شهد تحسنا ملحوظا، وتغلغل لدى الناس الوعيُ بأنّ قصص الأطفال تشكل أداة اجتماعية وعلاجية، وأن ثمة حلول من شأنها تغيير الوضع القائم.
نوصي في هذا السياق باقتناء وقراءة كتاب الأولاد يضحكون للأديب السوري المعروف زكريا تامر، وهو مترجَم الى العبرية ويصدر بصيغة ثنائية اللغة (العبرية والعربية)، ويشكل جزءا من سلسلة مكتوب لدار النشر فان لير ودار النشر "عولام حداش".