يمكث الفضاء المديني والبلدي في إسرائيل في واقع دينامي ومشبع بالتوتّرات والتناقضات. من ناحية، يمكِن رصد نزعات عدائيّة بين المجتمعات المحليّة، وعمليات فصل في بعض المدن، إلى جانب دعوات متكرّرة إلى تقسيم الحيز بين مجموعات هُوياتيّة منفصلة.

من الناحية الثانية، تتقاسم مجموعات مختلفة في المجتمع الإسرائيليّ حيزا جماهيريا-عاما مشتركا، وعلى خلفية مسارات هجرة داخلية وتحولات في سوق العمل، أصبح عدد من الفضاءات المدينية في إسرائيل يتحلى بمزيد من عدم التجانس على محاور متعدّدة: قومية، ودينية، وطبقية، وإثنية. التنوع العميق في المجتمع الإسرائيلي يخلق جملة من التحديات أمام الحياة في فضاء سكني مشترك، وفي محورها -وجود تصورات ومفاهيم مختلفة تمام الاختلاف حول الحيز العام، والخصوصية، والجسد، وعلاقات الجندر، والطقوس، وأنماط الاستهلاك، ومدلول الرموز الدينية والقومية. لكن، وعلى الرغم من التعقيدات التي أشرنا إليها آنفا، تخلق التقاطعات بين الشروخ في المجتمع الإسرائيلي في الحيز المديني تحالفات فريدة من نوعها، وهُويات هجينة، ومجتمعات معنى جديدة، إلى جانب الصراعات على الموارد والسيطرة، بطبيعة الحال. إذا، لا يحمل التنوع الحيزي في إسرائيل في طياته تحديات وصعوبات فحسب، بل كذلك فرصا للتغيير الاجتماعي والسياسي.

من هنا، تحتاج مسألة إدارة نسيج الحياة المشترك في إسرائيل إلى فحص معمّق على المستويين النظري والإمبيريقي. معظم النظريات المهيمنة في الأبحاث التي تتناول المدن والتنوع نمت في سياقات أنجلو-أمريكية، وفي فضاءات تميل نحو الليبرالية، وعليه فهي تضم في جوهرها منظورات بحثية ما بعد كولونيالية، أو تلك التي تتمحور في العلاقات العرقية-الطبقية 

هذه المنظورات تجد صعوبة في تشخيص تنويعة منطقيات الحيز المديني العالمي بعامة، والإسرائيلي على وجه الخصوص. تكمن الصعوبة بخاصّة في وضعها (أي المنظورات) في سياق الفئات التصنيفية الاجتماعية المتعدّدة في إسرائيل والشروخ الكوسمولوجية  العميقة القائمة بين (وفي داخل) هذه الفئات التصنيفية،.هذه الشروخ تتصل بالمحاور بين الدين والعلمنة، والليبرالية والنزعة المحافظة، والنزعة النخبوية مقابل تلك الشعبية، وما إلى ذلك، وهي(أي الشروخ) لا تحظى بالاعتراف في إطار التفسيرات القائمة التي تنطلق من مفهوم ليبرالي للحيز والتنوع الاجتماعي. الواقع الإسرائيلي لا يحث على توسيع الأطر التفسيرية القائمة فحسب، بل على إدخال أطر بديلة إلى صندوق العدة التفسيري، نحو منظور ما بعد العلمانية، أو إطار التفكير ما بعد الليبرالي.

تعمل مجموعة البحث على أساس هذا المنطلق الفكري، وتسبر أغوار الحيز المديني والبلدي في إسرائيل والتنوع الاجتماعي السائد فيه، في مسعى لتطوير  بحث إمبيريقي وإطار تفسيري نظري حيوي وجديد.