لا تتحقق المغفرة إلا حيث يمارس فيه الظلم. وكلما كان الظلم أكبر وأقسى، يكبر عندها المغفرة المطلوبة، وعندها بالذات تقلّ تبريرات المغفرة لأنّ الإساءة أكبر. من هنا يتبين أنّ المغفرة هي مفهوم يحمل في طياته مفارقةً وتناقضاً. كيف يمكننا حل هذه المفارقة؟ الأطروحة المركزية في كتاب المغفرة وعدم النسيان: أخلاقيات المغفرة تدّعي أن المغفرة الكاملة تشكل مسارا حواريا يحمل فيه المسيء والمساء إليه ذاكرة الظلم سوية، ويغرسونه في نسيج حياتهم دون طمس ذنب المذنب ولا الندوب التي أبقاها في روح الآخر. نتحدث هنا عن تحليل غير اعتيادي لمفهوم الغفران، والذي تتم مواجهته مع النظرة الفلسفية السائدة التي تربط المغفرة بالنسيان.
يتناول الكتاب- فيما يتناول- الاعتذارات العلنية، ولجنة تقصي الحقائق والمصالحة في جنوب أفريقيا، وذاكرة الكارثة، وتحمّل عبئ الجنحة، والتّكفير والتحامل، والمغفرة الذاتية والمغفرة الربانية، والأمور التي لا تغتفر، وفكرة الانتقام، والحب والخيانة. هذا الكتاب فلسفي بطبعه، لكنه يوفّر مساحة لا بأس فيها لتحليل نصوص توراتية وتلموديّة، ونصوص من العهد الجديد وأخرى أدبية، وكذلك نصوص لعلماء اجتماع وأخصائيين نفسيين، وتقارير من الصحافة اليومية، فالقضايا الفلسفية لا تطرح في النصوص الفلسفية فقط بل أيضا في الخطاب اليومي الذي يديره الناس.