اعتبر الحيّز الحضري في شمال يافا بأعين السكّان الناطقين بالعبرية، منذ تسعينيات القرن التاسع عشر ولغاية نهاية عشرينيات القرن العشرين، مكوَّنًا من منطقتيْن مختلفتيْن- الضاحية الجنوبية التي تُدعى “نافيه شالوم” (واحة السَّلام) ومنطقة فقيرة شمالية يُطلق عليها تعبير “حارة التَّنك” (حارة الصّفيح). سكن اليهود والعرب جنبًا إلى جنب في هاتيْن المنطقتيْن. بعد مرور بضع سنوات، طرأ تحوّل عميق في المخيّلة الجماهيرية بشأن ذلك الحيّز لم تصاحبه تغيّرات فيزيائية أو سكانية جوهرية. بدلاً من التمييز الحيّزي المستند إلى الاختلافات المورفولوجية (الشكلية) والاجتماعية والاقتصادية فقد تلقّى الوعي الجمعي العبري بإيجابية التقسيم “القومي” للحيّز، بين نسيج حضري عصري ويهودي في منطقة نفوذ تل أبيب، وبين نسيجٍ حضري عصري وعربي يطلق عليه “المنشية”. استند هذا التقسيم إلى الحدود التي وضعت بين يافا وتل أبيب في العام 1921، ومنذ تلك اللحظة اعتبر فعليًا هذا الحد الفاصل بوصفه”حدًّا من ورق” ولم يتم التعبير عنه ماديًا في المنطقة بتاتًا. كانت النتيجة فرض النسيان على النظرة السابقة إلى الحيّز قبل وضع الحدود. وأكثر ما تمَّ تشويهه كان تاريخ حي نافيه شالوم الذي شُطر إلى قسمين عند ترسيم الحدود. تجاهلت وجهة النظر الجديدة، التي تنطوي على مفارقة تاريخية، أجزاء الحي التي بقيت بعد ترسيم الحدود في منطقة يافا، وساهمت في جعل الحي يبدو وكأنه “حي من أحياء الأطراف” اليهودية منذ إقامته، جبهة في صراع متخيّل مع حي “عربي” باسم “المنشية”. تمّ قبول وجهة النظر هذه من دون وجه حق بوصفها حقيقة لا غبار عليها كذلك في الدراسات النقدية في السنوات الأخيرة. يأتي هذا المقال بهدف استحضار تاريخ حي نافيه شالوم من جديد وتوفير مثال يبيّن شدّة تأثير رسم “حدود الورق” بين يافا وتل أبيب على نسيانه.
حدود من ورق: التاريخ المطمور لنافيه شالو
أور ألكسندروفيتش