رأي: هل من جديد تحت الشمس؟ اسألوا أغريپاس
د. دفناه شرايبر | 25.07.2021 | تصوير: خراب الهيكل, فراشيسكو هايِز 1867
أفكار حول "تشعاه بِآف" (التاسع من آب- حسب التقويم العبري، وهو ذكرى خراب الهيكل)
هل ثمة حاجة لمواصلة الحداد على "المدينة المهجورة والمهدّمة"، كما كتِب في صلوات ليلة "طيت بآف". مقابل يروشالايم العامرة، والصوم على الخراب والتشتّت في عصر السيادة السياسيّة في أرض إسرائيل؟ يبدو أن الإجابة هي بنعم. الأهمية في مواصلة التطرق لخراب يروشالايم يكمن في ضرورة التذكر والتذكير بما قد يتسبّب به التعصّب، الحاجة التي تكتب عنها د. دفناه شرايبر.
وفق التقاليد، تسببت الكراهية المجانيّة في خراب الهيكل الثاني، لكن ثمة سبب آخر لا يعرفه الكثيرون هو التعصب الذي يمكن الاطلاع عليه من أساطير الخراب في التلمود وبار كمْتسا (راجعوا الحكاية في التلمود البابلي ماسيخيت غيطين، الصفحة 55 عمود ب الى الصفحة الصفحة 56 عمود أ).
تتحدث الحكاية عن أحد أغنياء القدس الذي أولم وليمة فاخرة دعي إليها الحكماء والعقال. وبسبب خطأ في التشخيص دعي إلى الوليمة بار كامتسا الذي كان صاحب البيت يكن له مشاعر الكراهية ، بدل كامتسا. طرِد بار كامتسا من الوليمة شر طرد، واحتج الحكماء الذين جلسوا حول المائدة أمام صاحب المنزل على هذه الإهانة. قرر بار كامتسا الانتقام فأخبر القيصر أن اليهود يتمردون عيه، وأشار عليه أن يرسل لهم عجلا كقربانا، فيكون إثباته للتمرد بأن يرفضوا هديته. استلم بار كامتسا العجل لنقله فوضع فيه عيبا لإدراكه أن عملا كهذا سيبطل القربان. على الرغم من ذلك، وبسبب مبدأ "سلامة المملكة"، وهو مرسوم يمّكن من تخفيف حدة الفرض الديني من اجل احترام السلطة، فكّر الحكماء في التضحية بقربان القيصر.
لكن عندها، ووفق ما ذكر التلمود، منعهم الراب زخاريا بن أڤكولس من تقديم القربان، كي لا يعتقد الآخرون أن تقديم القرابين المعيبة أم مسموح به. تنتهي الحكاية في التلمود بالكلمات التالية: قال الراب يوحنان: "تواضُع الحاخام زخاريا بن أڤكولس خرب بيتنا وحرق هيكلنا، وشردنا من بلادنا" (التلمود البابلي، غيطين، 56 ص أ). بكلمات أخرى: على نحو ساخر استخدم الراب يوحنان لغة نقيّة لتوصيف تعصّب أڤكولس بأنه نوع من التواضع الذي أدّى إلى خراب الهيكل.
بطاقة مصورة: يهود يصلون في الكنيس في ليلة التاسع من آب العبري، ماوريتسي تريباتش، 1903، المكتبة الوطنية
الملك أغريباس الثاني تحدث هو الآخر ضد التعصب، ففي خطاب مفعم بالانفعال ومدروس سعى الملك – الذي عيّن من قبل الرومان لكنه كان مقبولا على قطاعات واسعة من الشعب اليهودي – سعى إلى منع التمرد:
لو رأيت أنكم جميعا تحملون أرواحكم من أجل محاربة الرومان، ولم أعرف أن ثمة أشخاص من بينكم يختارون السلام، لم أكن لآتي إليكم كي أقدّم لكم هذه النصيحة. لأنه يسمح للمرء أن يحدّث الناس حول الطريق الصواب، لأن كل الخطابات التي تنزع لإقناع الناس أن يفعلوا ما عليهم فعله تكون غير ضرورية، إذا كان السامعون متفقون على القيام بعكس ذلك، وها هم الفتية الذين لم يعرفوا بعد ويلات الحرب أو [...] بعض محبي الجشع الذين يجنون المكاسب من استغلال الضعفاء عندما تنهار أنظمة البلاد. وكي لا يقتَل الطيبون بسبب نصيحة القلة الجهال، فكرت أن أجمعكم جميعا وأن اتحدث معكم بما هي مصلحتكم [...]. [...] ألم تروا بعد عظمة الإمبراطورية الرومانية؟ ألا تعلمون أنّ قوتكم ضعيفة؟ [...] لكن كل من يخرج للحرب يثق بواحدة من اثنتين: إما مساعدة الأخرين أو الخلاص من لدن الرب. وإذا فقدنا الأمل بهذه وتلك، فهو لا يخرج للحرب، إلا إذا كان يريد تسليم روحه لأعدائه[...]، ولن تجلبوا السوء لأنفسكم فقط، بل أيضا لليهود القاطنين في كلّ مدينة ودولة. وليس ثمة شعب على هذه البسيطة لا يقطن إخوتكم بين ظهرانيه، وإذا ناديتم للحرب، سيذبحهم أعدائكم، ولن يبقوا أحدا منهم. وبسبب مؤامرة قلّة قليلة سيسيل دم اليهود في الكل المدن كالماء[...] وها أنا أقسم بكل مقدساتكم، وبملائكة السماء المقدسين، وبمدينة أبائنا الغالية علينا جميعا أنني بذلت كل ما في وسعي من أجل إنقاذكم من الخطر، فإما أن تمتثلوا للنّصيحة ويعمّ السلام وأضع يدي بيدكم وإما أن تتبعوا وراء نار تعصّبكم وتخاطرون بأنفسكم، وعندها لن يكون هناك ما يربطني بكم.
(من كتاب تاريخ حرب اليهود مع الرومان)
في مسعاه لمنع التمرد طرح أغريپاس ادعاءات عملية وأخرى ثيولوجية، وتوقف عند الاسقاطات المأساوية التي قد تقع على اليهود الذين يعيشون في الشتات بسبب التمرد. علاوة على ذلك شدد أغريپاس مرات عدة على حقيقة إدراكه بأنّ قلة قليلة من اليهود المتعصبين يريدون التمرد، لكن على الرغم من أنهم قلة قليلة فقد يجلبون الكارثة على الجميع، لذا وجّه دعوته للأغلبيّة الصامتة. عمليا لم يؤثر خطابه هذا إلا لفترة قصيرة، فبعد المذبحة التي ارتكبتها مجموعة من المتعصبين ضد الجنود الرومان، وبعد أن رفض الكهنة تقديم قربان السلام -هدية القيصر بسبب تعصب أفكولاس، كان لا بد من اندلاع الحرب، والنهاية، كما يعلو من أقوال أغريباس، كانت معروفة سلفا.
يبدو أنه من المفضل واللائق أن نواصل الحداد على خراب يروشالايم، وأن نتذكر أقوال أغريباس، وأيضا نتذكر "تواضع" أڤكوليس. لا جديد تحت الشمس: فالتعصب قد قاد وسيواصل الدفع نحو الخراب.