موضوعة تحدّيات الحياة المشتركة
بمشاركة معهد سحرية
قد يشكل السؤال كيف نعيش معًا مع من يختلفون عنّا اختلافا عميقًا السؤالَ السياسيّ الأكثر إلحاحا في إسرائيل في مطلع القرن الواحد والعشرين، وقد يشكل تحديا يقض مضاجع الكثير من الديمقراطيات المعاصرة، مع الأخذ بعين الاعتبار لحقيقة أن سؤال الحياة المشتركة بالنسبة للباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية ليس مجرد سؤال سياسي يهز الأركان بل كذلك سؤال بحثي ذو وزن واهمية بالغة، وعليه فهو يستوجب مراجعة وإعادة صياغة لـ"صندوق العدة" النظريّ والبحثي المتوفر لديهم.
تعمل موضوعة ” تحدي الحياة المشتركة” في معهد فان لير بالتعاون مع معهد “شحاريت”، وقد أخذت على عاتقها التعامل مع هذه المَهمَة من خلال مراجعة مجدّدة لعدد من الفرضيات الأساسية المعيارية والتحليلية السائدة في البحث النقدي المعاصر. هذه الفرضيات مصدرها المركز الأكاديميّ العالميّ الأوربيّ- الأمريكيّ، وقد تحولت ( أي الفرضيات) إلى نقاط انطلاق مفهومة ضمنا بالنسبة للباحثات والباحثين في إسرائيل وفي دول صغيرة أخرى في الأطراف الأكاديمية العالمية.
موقف الانطلاق هذا، الذي نسميه نحن ” النّحو الليبرالي للخطاب النقدي”، يتغنى بقيم الفردانية، والاستقلالية الشخصية، والبصيرة والأخلاق العامة ويعتبرها الخيار البشري الأصيل الوحيد. لقد تحول النحو الليبرالي المفتاح الوحيد لفهم العالم وتقويمه. بكلمات أخرى: تحولت إسرائيل-كسائر الدول في الأطراف الأكاديمية-إلى ساحة ألعاب نظريات غربية، لا سيما تلك القادمة من أمريكا الشمالية، أي إلى موقع أكاديمي تطبق فيه نظريات قادمة من المركز الأكاديمي.
حيال هذا الوضع يصطدم النحو الليبرالي للبحث النقدي بواقع اجتماعي مشبع بتقاليد طويلة الأمد، وولاءات، وهويات جماعية، ومواقف جذرية. هذا الواقع لا يتصنّف على الدوام بحسب مكونات النحو الليبرالي، وعليه نشهد في السنوات الأخيرة قطيعة آخذة بالاتساع بين المؤسسة الأكاديمية وقطاعات واسعة من الجمهور.
تنهض موضوعة ” تحدي الحياة المشتركة” بمسار لتخليص النظرة البحثية من النّحو الليبرالي ومن خارطة الطريقة الأوروبية-الامريكية، لكن ذلك لا يعني قطيعة مع قيم ليبرالية على المستوى المعياري أو إدارة الظهر لعالم المعرفة الغربي. عوضا عن ذلك يرى الباحثون والباحثات أنّ هذا الإجراء يشكّل خطوة ضرورية لفتح حيز تفسيري يمكّن من إجراء قراءة أوسع للواقع الاجتماعيّ في إسرائيل وفي أماكن أخرى في العالم تشكل فيها الرؤيا الليبرالية- التقدمية لنظام أخلاقي وسياسي واحدة من الرؤى الأخرى التي تتحلى هي الأخرى بسريان ومعنى.
تنهض الرؤية ما بعد الليبرالية بمنهجية استقرائية (inductive)، من الأسفل إلى الأعلى، تلك التي تشجع على الإصغاء الفَضول لأصوات ذوات ليبرالية وأخرى غير ليبرالية على حد سواء. على المستوى البحثي، يمكّن الإجراء المقترح هنا من استخلاص تبصرات جديدة حول الشروط التي تمكّن من ممارسة حياة مشتركة في واقع متنوع عميق، يمسك فيه لاعبون مختلفون بمواقف متباينة تماما حول النظام الاجتماعيّ المرغوب. على المستوى السياسيّ يفتح هذا الإجراء آفاقا جديدة للتفكير بسياسة العلاقات، والنشاط المبني على التعلم الاجتماعي، والتفكير المتحرر من اليوتوبيا الشمولية. على خلفية سيرورات متطرفة تتمثل في التقطب وعدم الاستقرار على مستوى الحكم، وتفتت مؤسسات الدعم الاجتماعي، ثمة حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لترسيخ الديمقراطية وتعزيز استقرارها في إسرائيل والعالم.
وضعت الموضوعة لنفسها هدفا يتمثل في أن تتحول إلى دفيئة لتطوير الأفكار الحديثة والابتكارية من خلال تبني توجه براغماتي وما بعد ليبرالي، وتطوير لغة وأدوات واستراتيجيات جديدة للفكر السياسيّ والنظريّ، وكل ذلك في سبيل وضع أسس لحلول اجتماعيّة تشمل تصورات متنوعة للأخلاق والمعنى، تلك المنغرسة في الحيز الذي نعمل فيه. ومن خلال الإدراك للفجوة الآخذة بالاتساع في السنوات الأخيرة بين الحقل الأكاديمي وبين الجمهور الواسع، ومن خلال التعاون بين معهد فان لير ومعهد ” شحاريت”، تعمل الموضوعة على المستوى الأكاديمي، وكذلك على المستوى الاجتماعي، إذ تقوم بتطوير ونشر معرفة في صفوف مجموعات واسعة ومختلفة، وتعمل على التشبيك فيما بينها.